كتابات فكرية

الاحتماء بعدو لتصفية عدو يرسخ الاستلاب ويعزز التبعية

 الاحتماء بعدو لتصفية عدو يرسخ الاستلاب ويعزز التبعية

  • حسن الدولة

الجمعة20يونيو2025_

الإهداء إلى:

 أصحاب الأقلام المبدعة والوعي الثاقب:

– البروفيسور المفكر والمؤرخ والسياسي احمد قايد الصايدي.

– الشاعر القاضي عبد العزيز البغدادي، متعدد المواهب، الفقيه ورجل القانون، الشاعر والكاتب والباحث الناقد. 

– الأستاذ عبدالكريم الرازحي، الكاتب الساخر والروائي المبدع. 

– الدكتور منصور الحماطي، الشاعر والأكاديمي والكاتب المتميز. 

– الكاتب الكبير الناقد الأستاذ عبدالباري طاهر.

– والأستاذ والباحث الكاتب قادري احمد حيدر

– الصحفي والكاتب المتميز الأستاذ سامي غالب.

أهدي هذا المقال إليكم، شركائي في الهمّ العام، وأصحاب الفهم الراسخ والرؤية الواعية. 

منذ أن تعرض محور المقاومة لضربات موجعة في أعقاب أحداث “طوفان الأقصى”، برزت أصوات عربية وإسلامية تروج لفكرة أن زوال إيران على يد الكيان الصهيوني يمثل “فرصة تاريخية” للمنطقة. هذه القراءة السطحية تخفي وراءها جهلاً خطيراً بالمعادلات الجيوسياسية، وتخدم في جوهرها المشروع الإسرائيلي الذي يسعى للهيمنة الكاملة على المنطقة العربية. فمن يظن أن إضعاف إيران سيحقق الاستقرار، يغفل حقيقة أن الفراغ الناتج سيمكن إسرائيل من بسط نفوذها دون معارضة تذكر، في ظل أنظمة عربية أظهرت استعدادها الكامل للخضوع للإرادة الصهيونية. 

إن التوازن الإقليمي بين القوى المتنافسة، رغم كل سلبياته، يشكل ضمانة ضد تفرد أي طرف بالقرار الإقليمي. فإسرائيل لا تحتاج إلى مبررات للتوسع، بل تنتظر فقط توفر الفراغ المناسب. وغياب إيران أو تراجع نفوذها سيفتح الباب واسعاً أمام الهيمنة الإسرائيلية التي لن تتوقف عند حدود معينة. فهل يدرك المبشرون بزوال إيران أنهم بذلك يسلمون مصير الأمة لعدو تاريخي لا يعترف إلا بمنطق القوة والاستئصال؟ 

في هذا السياق المعقد، تطفو على السطح إشكالية العلاقة بين مشاعر الشعوب المقهورة والفتاوى الدينية. فالشعوب التي تعاني من وطأة الاحتلال والهيمنة ليست طرفاً فاعلاً في معادلة الصراع، فلماذا تُحمل عبء اختيارات إستراتيجية لا تملك أدوات التأثير فيها؟ هل يكفي أن نلجأ إلى الفتاوى الدينية لتفريغ مشاعر الغضب والإحباط، أم أن المطلوب هو فهم أعمق لطبيعة الصراع وموازين القوى؟ 

الحقيقة أن مشاعر المظلومين لا يمكن حشرها في قوالب جاهزة. فمن حق الفلسطيني أن يرى في إيران حليفاً ضد الاحتلال، كما من حق السوري أو العراقي الذي عانى من التدخل الإيراني أن يعتبر ضرب إيران فرصة للخلاص. هذا التناقض في المواقف ليس عيباً، بل هو تعبير صادق عن تجارب الشعوب المختلفة مع الظلم. المهم ألا تتحول هذه المشاعر إلى ولاء مطلق لأحد أطراف الصراع على حساب المصلحة الوطنية العليا. 

إن طبيعة الصراع في المنطقة تتجاوز بكثير الإطار الفقهي أو الأيديولوجي الضيق. فالمفاضلة بين خطر إسرائيل وإيران لا يمكن حسمها عبر فتاوى دينية، بل تتطلب فهماً استراتيجياً لموازين القوى. السؤال الجوهري ليس “من الأكثر التزاماً دينياً؟”، بل “من يشكل تهديداً أكبر لأمننا واستقلالنا؟”. المعيار الحقيقي هنا هو حجم الخطر ودرجة التهديد، وليس الانتماء المذهبي أو القومي. 

لكن الخطر الأكبر يكمن في تحويل الدين إلى أداة لتبرير الهيمنة، أو في استخدام الفتاوى لتضليل الشعوب عن حقيقة الصراع. فالدور الحقيقي للخطاب الديني يجب أن يكون تنويرياً، يساعد الناس على فهم تعقيدات الواقع دون أن يحملهم ما لا طاقة لهم به. 

ختاماً، فإن المراهنة على عدو لتصفية عدو آخر هي مقامرة خاسرة بكل المقاييس. فزوال إيران لن يعني تحرير العرب، بل سيسلمهم لاحتلال صهيوني أكثر شراسة. والعكس صحيح أيضاً، إذ أن الاحتماء بإيران لمواجهة إسرائيل يعني استبدال تبعية بتبعية. المخرج الحقيقي من هذا المأزق يكمن في بناء قوة وطنية مستقلة، قادرة على فرض وجودها في المعادلة الإقليمية. 

فالصراع الجوهري في منطقتنا ليس مع إيران أو إسرائيل فقط، بل مع منظومة الهيمنة التي تحولت فيها دولنا إلى مجرد أدوات تنفذ أجندات خارجية. والخلاص لن يتحقق بالاحتماء بهذا الطرف أو ذاك، بل بإعادة بناء الإرادة الوطنية المستقلة، التي وحدها قادرة على كسر حلقة التبعية والاستلاب.

اقرأ أيضا:مناقشة مقال القاضي عبد العزيز البغدادي الموسوم بـ (سباق الأموات على حكم المقابر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى