اخبار محليةكتابات فكرية

قمة الدوحة.. بين فداحة العدوان وضحالة الرد

 قمة الدوحة.. بين فداحة العدوان وضحالة الرد

  • د. نبيل أحمد الدرويش

الخميس 18 سبتمبر 2025-

لم يكتفِ الكيان الإسرائيلي بتجاوز كافة الخطوط الحمراء وغير الحمراء، بل رسم خطًا جديدًا بالدم في العاصمة القطرية الدوحة، محوّلًا وسيطًا دوليًا إلى ساحة مواجهة، ومُرسلًا رسالةً واضحةً مفادها أن لا حصانة لأحد في النظام الجديد الذي ينوي تأسيسه في المنطقة. الاغتيال المستهدف لوفد حماس المفاوض لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل كان اختراقًا متعمدًا لكل الأعراف الدبلوماسية التي ظلت تحكم لعبة الصراع العربي الإسرائيلي.

وفي أعقاب هذه الصدمة، اجتمعت القمة العربية والإسلامية الطارئة في الدوحة وسط توقعاتٍ شعبيةٍ عارمةٍ بتحوّلٍ استراتيجي في المواقف الرسمية. إلا أن البيان الختامي جاء كصدمةٍ موازيةٍ، حيث اختُزل الغضب العربي والإسلامي في كلماتٍ مطاطةٍ وعباراتٍ فضفاضةٍ، وكأنّ فداحة العدوان لم تكن كافيةً لاختراق جدار المصلحة الضيقة والانقسامات المستحكمة.

اختراق الحصانة: رسالة إسرائيلية بتغيير قواعد اللعبة

لقد تجاوز العدوان الإسرائيلي الخصوم التقليديين للكيان ليطال دولةً تربطها علاقات غير معلنة لكنها عميقة مع الكيان الإسرائيلي نفسه، ما يطرح سؤالًا وجوديًا حول طبيعة التحالفات الإقليمية. فالدوحة، التي ظلّت لسنواتٍ جسرًا للتواصل السري بين واشنطن وتل أبيب من جهة والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى، تعرّضت لإهانةٍ ممنوحةٍ من حليفها الضمني، في سابقةٍ خطيرةٍ تكرّس ثقافةَ الإفلات من العقاب.

رد فعل هزيل: بيان القمة بين التضامن الشكلي والعجز العملي

المفاجأة الأكبر تمثلت في ردّة الفعل العربية والإسلامية الجماعية، التي جاءت متناقضةً مع حجم الجريمة وخطورتها الاستراتيجية. فبدلاً من أن تتحول القمة إلى منصةٍ تاريخية لإعلان مقاطعة شاملة تضع حداً لاستمرار التطبيع مع الكيان المحتل، وتفرض عقوباتٍ دبلوماسية واقتصادية ملموسة، انسحبت الدول وراء خطاب التضامن الرمزي والمجاملات الدبلوماسية المعتادة. لقد اكتفى البيان الختامي للقمة بـ”إدانة العدوان” و”الدعوة إلى مراجعة العلاقات”، في صياغةٍ فضفاضةٍ تفتقر إلى أدنى حدود الوضوح والجدية، وتخلو تماماً من أي التزامات عملية أو آليات تنفيذ أو حتى جدول زمني للمتابعة.

هذا التردد المُقنَّع بخطاب “الحكمة” و”الواقعية” لم يكن سوى قناعاً يُخفي أزمة بنيوية عميقة في النظام الإقليمي العربي. فالقمة كشفت أن الانقسامات الداخلية والتشرذم السياسي ما زالا أقوى من أي إرادةٍ جماعية للمواجهة. بعض الدول فضّلت الصمت الطويل، بينما تمسكت أخرى بعبارات التنديد التقليدية التي لا تكلفها أي ثمن سياسي أو اقتصادي. حتى الدول التي دعت إلى مواقف أكثر حزماً وجدت نفسها وحيدة في الصف العربي الأمامي، محاصرةً بتحالفاتٍ إقليمية متشابكة ومصالح متضاربة.

الغريب في المشهد أن هذا العجز الجماعي جاء في لحظةٍ كان فيها الغضب الشعبي العربي والإسلامي في ذروته، وكان بالإمكان تحويله إلى رافعةٍ للضغط السياسي والدبلوماسي. لكن الخوف من فقدان الدعم الأمريكي، والرهبة من عقوبات اقتصادية محتملة، والانشغال بالصراعات الجانبية بين بعض النخب الحاكمة، كلها عوامل جعلت “السيادة الوطنية” مجرد شعارٍ أجوف في خطاباتٍ لا تُترجم إلى أفعال.

الأمر الذي زاد من مأساوية المشهد هو أن قطر نفسها، التي تعرّضت لانتهاك صارخ لسيادتها، وجدت نفسها مضطرةً لامتصاص الصدمة والالتزام بخطابٍ دبلوماسي متوازن، في مؤشرٍ صارخ على هيمنة حسابات معينة على مبادئ السيادة والكرامة. وهكذا، تحوّلت القمة من منصةٍ متوقعة للرد التاريخي إلى مجرد استمرارٍ مأساوي لأزمة العجز القائمة، حيث أصبح “الرد الهزيل” سمةً لازمةً للمشهد السياسي العربي في مواجهة التحديات المصيرية.

تداعيات مستقبلية: نحو نظام إقليمي جديد بموازين قوى مشوّهة

الولايات المتحدة، الحليف الأكبر للكيان الإسرائيلي، لم تُبدِ أيّ موقفٍ جادٍّ لإدانة العدوان، بل اكتفت بالوعد بعدم تكرار ما حدث، في تكريسٍ صارخٍ لمعاييرَ مزدوجةٍ أصبحت سمةً ثابتةً في السياسة الأمريكية في المنطقة. هذا الموقف الأمريكي شكّل غطاءً ضمنيًا للعدوان، وشجّع الدول العربية على عدم الخروج عن الخط الأمريكي، حتى لو كان الثمن هو التنازل عن السيادة والكرامة.

مخرجات القمة الهزيلة لم تكن فشلًا لحظيًا، بل كانت نتاجًا طبيعيًا لتراكماتٍ من العجز الاستراتيجي والتبعية الدولية. فالدول العربية، رغم كل الخطابات الوطنية، ظلّت رهينةً لتحالفاتها الاقتصادية والأمنية مع الغرب، عاجزةً عن تطوير أدواتٍ للضغط أو الردع. حتى الدول التي تمتلك قدراتٍ ماليةٍ وسياسيةً كبيرةً، مثل قطر نفسها، فضّلت امتصاص الصدمة بدلًا من الدخول في مواجهةٍ مفتوحةٍ مع واشنطن وتل أبيب.

ختامًا

شكل العدوان الإسرائيلي على الدوحة اختبارًا جيوسياسيًا صعبًا لكافة البلدان العربية والإسلامية، وبالمقابل جاء الردّ الجماعي لهذه الدول كتحصيل حاصل يؤكد المؤكد، وهو قدرة هذا الكيان على اختراق كل الحدود دون أن يدفع ثمنًا يذكر، ويثبت أن الدول العربية والإسلامية معًا عاجزةٌ حتى عن توحيد كلمتها في لحظات الأزمات المصيرية والوجودية.

راي اليوم

اقرأ أيضا: قمة الدوحة كشفت العدو الرئيسي للعرب لمن لا يعلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى