اخبار محليةكتابات فكرية

ثورة 21 سبتمبر: بين استعادة السيادة وتغيير موازين القوى

ثورة 21 سبتمبر: بين استعادة السيادة وتغيير موازين القوى

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

السبت 20 سبتمبر 2025-

منذ انطلاقتها عام 2014، شكّلت ثورة 21 سبتمبر في اليمن نقطة تحوّل عميقة في المسار السياسي والتاريخي للبلاد. فبعد عقودٍ من التبعية للخارج وارتهان القرار الوطني لعواصم غربية وإقليمية، جاءت الثورة لتكسر قيود الوصاية وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقلال والسيادة. واليوم، وبعد مرور أحد عشر عاماً، يمكن القول إن منجزاتها تجاوزت الإطار المحلي لتصوغ واقعاً إقليمياً ودولياً جديداً.

استعادة القرار السياسي

على الصعيد السياسي، كان أبرز إنجاز للثورة هو القضاء على مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم، وإفشال مخطط “الوصاية الدولية” الذي فُرض عبر المبادرة الخليجية ورعاية الأمم المتحدة والسفارة الأمريكية في صنعاء. لقد نجحت الثورة في إعادة القرار السيادي إلى الداخل اليمني، وتثبيت مؤسسات الدولة الوطنية في صنعاء رغم العدوان والحصار (انظر: مجموعة الأزمات الدولية، 2019).

بناء اقتصاد مقاوم

اقتصادياً، دفعت الحرب والحصار الشعب اليمني إلى إعادة التفكير في أولويات الإنتاج. فكان التوجه نحو الاكتفاء الذاتي الزراعي من الحبوب والمنتجات المحلية، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها رافعة أساسية للصمود. ورغم الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية في بعض المناطق، تمكنت حكومة صنعاء من تثبيت استقرار نسبي اقتصادي بالمقارنة مع المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف (البنك الدولي، تقرير اليمن 2023).

تحولات عسكرية نوعية

أما المنجز العسكري، فقد شكّل العمود الفقري للثورة. فمن جيشٍ تقليدي منهك، إلى قوة عسكرية عصرية تمتلك الصواريخ الباليستية والمجنحة والفرط صوتية والطائرات المسيّرة، وصولاً إلى قدرات بحرية استطاعت فرض معادلات جديدة في البحر الأحمر وباب المندب. لقد أسقط اليمن طائرات MQ9 الأمريكية المتطورة، وأثبت هشاشة منظومات “باتريوت” و”ثاد”، بل وأفشل عمليتي “حارس الازدهار” و”أسبيدس” الأمريكيتين (تقرير معهد ستوكهولم SIPRI، 2024).

الأمن والاستقرار الداخلي

في البُعد الأمني، نجحت الثورة في تفكيك شبكات التجسس الأمريكية والغربية، والقضاء على تنظيمي القاعدة وداعش في الشمال والوسط. اليوم، يعيش المواطن في مناطق حكومة صنعاء في أمن واستقرار داخلي نسبي، مقارنةً بموجات الاغتيالات والفوضى في المناطق الأخرى (تقرير الأمم المتحدة حول اليمن، 2022).

البعد الاجتماعي والثقافي

اجتماعياً، أعادت الثورة إحياء الهوية الإيمانية والوطنية، ورسخت قيم الاستقلال والكرامة والسيادة. كما لعبت المرأة اليمنية دوراً محورياً في تعزيز الصمود الداخلي، بينما نجح الإعلام الوطني المقاوم في إعادة الصورة الحقيقية لليمن بعد سنوات من التشويه الإعلامي الذي قدّم البلاد كموطن للفوضى والإرهاب (انظر: دراسة مركز صنعاء للدراسات، 2021).

التأثير الإقليمي والدولي

إقليمياً، لم يعد اليمن مجرد ساحة صراع بالوكالة، بل تحوّل إلى فاعل إقليمي مؤثر، فرض نفسه في البحر الأحمر، وأربك التحالفات الغربية والعربية. دعم اليمن لغزة ومشاركته المباشرة في معركة كسر الحصار عن فلسطين جعلاه جزءاً محورياً من محور المقاومة، وأعاد التوازن الإقليمي في مواجهة المشروع الصهيوني والأمريكي. هذا التحول الاستراتيجي جعل العديد من الشعوب العربية والإسلامية تنظر إلى اليمن باعتباره نموذجاً للقيم الإنسانية في مواجهة الاستكبار.

خلاصة

إن ثورة 21 سبتمبر لم تكن مجرد انتفاضة محلية ضد الفساد أو الوصاية الخارجية، بل تحولت إلى ثورة استراتيجية غيّرت ملامح السياسة والاقتصاد والعسكر في اليمن، وأسقطت مشاريع الهيمنة الغربية والإقليمية. لقد جعلت اليمن رقماً صعباً في معادلات المنطقة، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة تُعيد تعريف موقعه في الخارطة الجيوسياسية.

المراجع:

1. مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group). “Yemen’s Political Transition.” تقرير، 2019.

2. البنك الدولي. “تقرير الاقتصاد اليمني”، 2023.

3. معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI). “Trends in International Arms Transfers”، 2024.

4. الأمم المتحدة. “تقرير فريق الخبراء حول اليمن”، 2022.

5. مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. “الإعلام اليمني بين الحرب والهوية”، 2021.

اقرأ أيضا للكاتب: استباحة إسرائيل للدول العربية .. في ظل وهم الدفاع العربي المشترك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى