الثقافات المغلوطة ومعركة الوعي
أن تكون واعيا فذلك دليل على انك تمتلك ثقافة متزنة ليست مغلوطة ولا تتجه بك إليها ..
كثيرا ما يتبادل الفرقاء والخصوم التهم فيما بينهم ان الآخر يعيش ويتفاعل ويحاجج ويخاصم بمفاهيم وثقافات مغلوطة اوصلته الى ارتكاب حماقات والى تبني مواقف غير سوية قادته الى إخفاقات متتالية في اغلب مناحي الحياة لذلك فالواجب عليه ان يصحح من ثقافاته المغلوطة حتى لا يقع فريسة تلك الإخفاقات التي ما كانت لتقع لولا تبنيها ..
ولو عدنا قليلا الى منهجية البشر في المعرفة والعلوم لوجدنا أن هناك انحرافات في منهجية التفكير قادت الى الخروج عن صوابية المعتقد والطريقة المرضية التي أرادها الله ..
فالإنسان في جوهره كائن عاقل مدرك مخير لا مسير هكذا خلقه الله خليفة له في الارض للقيام بوظيفة العبودية لله وادارة الشأن العام في الدنيا وفق قاعدة التحسين والتقبيح العقليين المؤيدة والمنسجمه بالتعاليم الربانية التي جاءت على لسان رسل الله وانبيائه متوافقة مع فطرة الله التي فطر الناس عليها ..
من هذه البدايات انطلقت البشرية بمفاهيم سوية غير منحرفة ابتداء لكن ارادة الله التي جعلت للانسان حرية الاختيار عبر حرية الفعل والترك في نفس اللحظة التي تبرز له الحاجة لعمل ما او لتركه والذي تحكمت فيه حينها المصلحة والغاية من ذلك ..
المصلحة وحرية الاختيار هما اللذان بدأت بهما تغيير المفاهيم والثقافات وبرزت معها الصراعات البينية وقد بدأت بقصة هابيل وقابيل في قربانيهما الذي اعتقد كل منهما انها مراد الله ليقبلها من أحدهما وحين تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الاخر تضررت مصلحة غير المقبول قربانة التي من اجلها سعى مع أخيه لتقديمها والمؤكد أن الاثنان كانا ينظران الى قربانيهما انه الأمثل ليقبله الله ولكن لان أحدهما رجع الى مبادئ الفطرة السوية التي تجعل النوايا المخلصة والتوجه الصادق الى الله هي المنطلق كثقافة سوية عند تقديم القربان بغض النظر عن قيمته وماهيته بينما الآخر انطلق من مفاهيم انانية بعيدة عن مراد الله معتقدا أن قيمة القربان المادية ونوعيته هي من تلقى القبول عند الله ..
من هذه اللحظة اعتقد انها كانت البداية للانحراف نحو الثقافات المغلوطة والتي نسميها بالثقافات التي لا توافق الفطرة ومراد الله وبهذا المفهوم بدأت مرحلة الانحراف عن الثقافة السوية الى ثقافات مغلوطة ومنحرفة ..
النبي الخاتم محمد صلوات الله عليه وعلى آله تركنا مثلما ترك من قبله الانبياء والرسل أتباعهم على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك كما جاء في الحديث النبوي وبالطبع ما جاء به النبي عبارة عن تعاليم اعادت البشريه من جديد الى المفاهيم السوية التي فطر الله الناس عليها والتي انحرف عنها كثير من نماذج البشر قبله التي تضررت مصالحهم او التي رأوا في بعض السلوكيات او التفكير او المنهجية العملية منه او من اتباعه انها ستحافظ على مصلحته في الجاه والسلطة والمال كأمثال الفراعنة الذين البسوا على ذواتهم الهالة المقدسة للتحكم في رقاب البشر واستعبادهم ساعدهم في ذلك كهنة المعابد الذين سوقوا لهذه المفاهيم المغلوطة المنحرفة ليقتاتوا من دماء المستضعفين ويحظوا بالتقرب من الفراعنة ..
النبي الخاتم عندما نشر التوحيد للعالم حذر من الانحراف الفكري وأن تعود البشرية الى الاحتكام الى المفاهيم والثقافات المغلوطة فالمحجة البيضاء تعني الانسجام بين النص الشرعي والعقل البشري والمعجزة الكبرى المتمثلة في القرآن الكريم خاطبت العقل السوي عندما اعادته الى قواعد العقل في التحسين والتقبيح العقليين فلم يستطع الرافضون للدين الخاتم ان ينكروا ذلك الانسجام بين النص والعقل ..
ولكن وهذا من قواصم الدهر وسوء المنقلب ورغم المحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي صلوات الله عليه وعلى آله الا ان التأويلات والمخالفات التي أعقبت وفاة النبي اعادتنا الى تلك الحقبة الاولى التي انحرف بها أحد ابناء آدم حين تقرب الى الله بقربان غابت فيه النية الصادقة السوية وانحرفت الى الثقافة المغلوطة فكانت النتيجة الوخيمة التي قادته الى ارتكاب اول جريمة قتل في التاريخ .. عندما خالف القوم بعد النبي وهم من هم من الرجالات التي كانت حوله بالتاويل تارة وبالمخالفة الصريحة للنبي تارة اخرى عندها عادت الامور من جديد الى التدهور نحو الجاهلية فسادت في الامة ثقافة الجبر وتقديس الطغاة وانحراف مفاهيم الحكم الاسلامي الذي لا يكون الا في القوي الامين المدرك السوي فعاد الفراعنة الى قمة الحكم وعاد علماء السلطة الى حرف المفاهيم السوية الى مفاهيم مغلوطة وكثرت في الامة الغوغاء والفوضى والجور والتخلف وعاد الناس يضرب بعضهم رقاب بعض باسم الطائفية والمذهبية والمناطقية وتحت مسميات اخرى ما انزل الله بها من سلطان وانتج هذا الانحراف عن الثقافات السوية اليوم ما ليس بخاف على كل ذي لب وإحساس وانتماء الى منهجية المحجة البيضاء السوية ..
اليوم الناس بين ثلاثة أصناف الاولى العالم الرباني وهو من تمسك بالنص المؤيد للعقل منطلقا بنية صادقة سوية حافضت على الفطرة التي فطر الله الناس عليها لذا تجدها بعيدة عن الانزلاق الى صراعات الثقافات المغلوطة متمسكة بمنهجية ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) لذلك لا تجدها الا موفقة راسخة تقف في صف الحق والعدل والعقل لا تتحكم فيها اهواء ومصالح الغوغاء مطلقا والثانية متعلم على سبيل نجاة وهم من انطلقوا متجردين للبحث عن الحق والحقيقة وفق منهجية التوافق بين النص والعقلآخذين العلم كدين عندما هاجت بهم الفتن وكثرت امامهم النحل والملل فقادهم تعلمهم الصادق الى سبيل النجاة وهم اليوم من يساندون الحق ويدافعون عنه ويرفضون الباطل ويحاربونه مع العلماء الربانيين وان قل عددهم مقارنة بالصنف الثالث الهمج الرعاع اتباع كل ناعق الذين ضل سعيهم مع كل ناعق وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا بل ان بعضهم تلبس بلباس الزهد والتقوى الا ان أصل منطلقة وثقافته بعيدة عن النهج السوي الذي يوافق الفطرة الانسانية ..
اليوم الصراع المحتدم بين البشر ناتج بالتأكيد عن تغير واضح في المفاهيم والثقافات فالثقافة السوية هي التي تمثلها اولئك البشر المستخلفين في الارض العابدين العاقلين المدركين حقيقه الوجود وانسجام النص مع العقل بينما أصحاب الثقافات والمفاهيم المغلوطة هم المنحرفون عن النص المنسجم مع العقل لذلك تجدهم في واقعهم المعيشي الثقافي كالهمج الرعاع وهي مصطلحات تطلق على من لا انضباط لديهم في السلوك ولا في التفكير ..
اليوم الواعون هم من يقودون البشرية بمنهجية انسانية لا تقبل للفراعنة والطواغيت أن تتحكم فيهم وفي البشرية لذلك تجدهم في مواقع الفضيلة والاتزان بعيدا عن الانفعالات العاطفية والمصالح الضيقة الانانية وبالطبع لن يكونوا في صف الهمجية الامريكية الامبرياليه و الص ه ي و ن ي ة العنصرية ولا مع الغوغائية الكهنوتية السعودية ومن لف لفهم وفكر تفكيرهم يقينا لأنها جميعا امتداد لثقافة الفراعنة وكهنة المعابد ..
هكذا يجب ان نفهم ونميز بين الثقافات المغلوطة والسويه بالتأكيد ..
فمن كانت منطلقاته شرعية وعقلية فهو صاحب ثقافة سوية ومن كانت ثقافته انانية وضيقه وبعيدة عن منهجية العقل والنقل المتلازمان فهو الاوجب بالرفض والمحاربة في معرض معركة الوعي المطلوب في هذا الصراع المحتدم اليوم ..
والله من وراء القصد ..
السبت 6/2/2021 م