اخبار محليةحوارات

الرئيس علي ناصر يكشف تفاصيل قتل الحمدي ودور صالح والسعودية وكيف قتل الغشمي ولماذا تم رميه بالأحذية

 الرئيس علي ناصر يكشف تفاصيل قتل الحمدي ودور صالح والسعودية وكيف  قتل الغشمي ولماذا تم رميه بالأحذية

عند دفن الحمدي قام المتظاهرين برمي الغشمي بالبيض الفاسد و«الشنابل» قائلين  أنت القاتل يا غشمي

السبت23 نوفمبر2024_ دارت الكثير من الروايات حول استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله ، وأيضا كيف قتل الغشمي ..

في هذا الصدد الرئيس علي ناصر محمد يكشف من قتل الحمدي ودور سالمين في قتل الغشمي ، وذلك في تقرير نشره عدن الغد ..

كشف الرئيس السابق علي ناصر محمد بشهادة الشهود من قتل الرئيس الحمدي وأخيه عبدالله .. بعد أن طوي ملف هذه الحادثة ، ولم تتضح الصورة الكاملة من دبر ونفذ في اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله ..

اليوم و بعد  47 عاما على استشهاد الرئيس إبراهيم الحمدي ، يكشف الرئيس ناصر لغز القضية بشهادة الشهود..وهذا ما قاله .. سبق أن أشرتُ إلى أنّ الحمدي بعدما وصل إلى السّلطة في صنعاء غيّر اتّجاهه السّياسيّ وبدأ يعمل ضدّ القوى التقليديّة ويُجري اتّصالات سرّية مع المعارضة في الشّمال ومع النّظام في الجنوب. وهنا حصل تطوّر مفاجئ، إذ اختلف الحمدي مع السّعودية ومع القوى التقليديّة في الشّمال، وأراد التّفاهم مع الجنوب بصورة صريحة، وقرّر زيارة عدن.

وفي ليلة سفره إلى عدن، دبّر نائبه أحمد حسين الغشمي وعدد من الضبّاط عمليّة انقلابيّة. دعوا الحمدي إلى حفلة غداء في منزل الغشمي وقتلوه مع أخيه عبد الله الحمدي الّذي كان قائد قوّات العمالقة، وصهره علي قناف زهرة، قائد سلاح المدرّعات. وقد أذيع في صنعاء أنّ عمليّة اغتيال قد وقعت، وأنّهم وجدوا فتاتين مقتولتين بجانب الحمدي وشقيقه، ولكن كان معروفاً أنّ ضبّاط الجيش هم الذين قتلوه بدعم من الملحق العسكريّ السعوديّ صالح الهديان، وأرادوا أن يشوّهوا سمعته عندما أحضروا جثّتَي فتاتيْن إلى جانب جثّته مع أخيه.

هذا غير صحيح، لأنّ الأطبّاء عندما شرّحوا الجثث، وجدوا أنّ هناك فارق سبع ساعات بين وقت إطلاق النّار على البنات وإطلاق النّار على الحمدي وأخيه وصهره. كانوا يعرفون مدى شعبيّة الحمدي، ولا يريدون أن يقولوا إنّهم قاموا بانقلاب عليه، لأنّه معروف أنّه دخل لتناول الغداء في منزل أحمد الغشمي. كانوا يريدون تشويه سمعته بأنّه كان مع البنتين، وأنّه قُتل على عشق وعلى دعارة… إلخ.

هذا الحادث أوقع زلزالاً سياسيّاً في اليمن كلّه، شمالاً وجنوباً. وخرج سالمين من عدن، وشارك في التشييع إلى جانب الغشمي وصحْبه، وخلال مشاركته في دفن الحمدي، شاهد المتظاهرين وهم يرجمون الغشمي بالبيض الفاسد و«الشنابل» بالأحذية،  ويقولون له: أنت القاتل يا غشمي.

أمر سالمين بخطّ يده وبقلمه بأن يرسلوا حقيبة ملغومة إلى الغشمي في صنعاء، واتّصل بأحمد الغشمي وقال له: «أنا سأرسل لك رسولاً، وأعيد لك الجنود الّذين هربوا إلى الجنوب». وأرسلَ الرّسول إلى صنعاء، كان اسمه مهدي، وكان يحمل الحقيبة. وأثناء مقابلة الغشمي انفجرت الحقيبة وقُتل الغشمي والرّسول القادم من عدن. عاد سالمين إلى عدن، وأقسم على الانتقام للحمدي. و«إحنا عقدْنا عدّة اجتماعات في عدن مع سالمين ومع القيادات الأخرى»، وقرّرت القوى السياسيّة الحاكمة والقوى السياسيّة التي تمثّل الشمال، أنّ القوى السياسيّة والشعب في الشّمال مستعدّون للانتفاضة على حكم أحمد الغشمي، وقد أدّى هذا الأمر إلى تغيّر المزاج الشّعبي في الشّمال، حيث انتشرت ردود الفعل على قتله في كلّ المناطق، وهرب العديد من أنصاره إلى عدن. وانتشرت القوّات التّابعة للجبهة الوطنيّة الديمقراطيّة ثانيةً، وساد التوتّر بين الشمال والجنوب. وبدأنا نحن مع سالم ربيع علي وعبد الفتّاح إسماعيل نعمل في حزب واحد على مستوى الوطن اليمنيّ كلّه. وفي آذار/ مارس عام ١٩٧٩ وقّعت ستة أحزاب يساريّة على تكوين الحزب الجديد الذي هو الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ. لكنّ الخلاف استمرّ في عدن بين الجناحين. وفي أواخر ٢٤ حزيران/ يونيو ١٩٧٨ أمر سالمين بخطّ يده وبقلمه بأن يرسلوا حقيبة ملغومة إلى الغشمي في صنعاء. واتّصل بأحمد الغشمي وقال له: «أنا سأرسل لك رسولاً وأعيد لك الجنود الّذين هربوا إلى الجنوب». وأرسلَ الرّسول إلى صنعاء، واسمه مهدي، وهو يحمل الحقيبة. وأثناء مقابلة الغشمي انفجرت الحقيبة وقُتل الغشمي والرّسول القادم من عدن. وقامت ضجّة في الجامعة العربيّة الّتي أدانت ما حصل، وحمّلت الجنوب، بل سالمين وعبد الفتّاح، المسؤوليّة شخصيّاً. لم يكن سائر أعضاء المكتب السياسيّ يعرفون بالقرار. وقد توتّر الجوّ في عدن. وطلبت اللجنة المركزيّة من سالمين أن يستقيل من منصبه. و«إحنا كنّا في عدن». واستقال سالمين وجهّزوه للسّفر إلى إثيوبيا، لكنّ الحرس «حقّه» رفضوا أن يسافر، وأطلقوا النّار على الحرس حيث كان بقيّة أعضاء المكتب السياسيّ مجتمعين. ووقعت الحرب في عدن وقُتِل سالمين. وهنا هدأ الخلاف في عدن، ولكن لم ينتهِ التّوتر بين الشّمال والجنوب، بل استمر، وبدأوا يحشدون الجيش من الشّمال والجنوب. «وأُرسلتُ أنا إلى الشّمال وقلنا إنّ النّظام خلاص مش حيسقط».

ويكمل الرئيس ناصر شهادة جار الله عمر قائلاً في حديثه :” وقال لي جار الله عمر، قبل البدء بالحديث عن الحرب، لا بدّ من التّعريف بالعناصر التي استجدت ومهّدت لاندلاعها. إنّ مناخ التوتر الذي تلا استشهاد الحمدي، ثمّ اغتيال الغشمي وإعدام سالمين، رحمه الله، الذي كان رجل دولةٍ بامتياز. كلّ ذلك وضع اليمن كلّها في حالة صراع متعدّد الأطراف. أضف إلى التّوتر بين الدّولتين، أنّ الصّراع كان قائماً في الشّمال ذاته، حيث عادت أجواء الحروب السّابقة بين الجبهة الوطنيّة وقوّات النّظام في صنعاء، وعاد مقاتلو الجبهة إلى الجبال وإلى الظّهور المسلّح في بعض المناطق التي كان للجبهة وجود فيها، كذلك شهدت العديد من المدن والمناطق اليمنيّة عدّة مؤتمرات شعبيّة تدين عمليّة اغتيال الحمدي. وكان هناك جوّ شعبيّ معارض للنّظام القائم في صنعاء، باعتباره مسؤولاً عن اغتيال الحمدي والانقلاب عليه. ومعروف أنّ الرائد علي عبد الله صالح قد اختير رئيساً للجمهورية بعد مقتل الغشمي، وقد كان حينها قائداً للواء تعز، وهذا لم يغيّر من الأجواء القائمة، حيث استمرّت المعارضة في الشّمال ضدّ نظام الرئيس علي عبد الله صالح، مثلما كانت من قبل ضدّ سلَفه.

شهادة علي صلاح

وواصل الرئيس ناصر حديثه مستشهدا بشهادة علي صلاح وقال :”كان يوم الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1977م يوماً مشؤوماً في تاريخ الشعب اليمني، وكانت الأمور تسير في الاتجاه المغاير لطموحاته وتوجهاته بقيادة الرئيس إبراهيم الحمدي. فبعدما كان الناس في شمال الوطن وجنوبه ينتظرون اللحظة التاريخية المرتقبة لوصوله إلى عدن للالتقاء بالرئيس سالم ربيع علي لإعلان الوحدة، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وحدث ما لم يكن متوقعاً، حيث قتل قبل توجهه إلى عدن في حادث غادر لم تتضح حقائقه وتفاصيله إلى اليوم.

واستمررنا في حالة ترقب لإذاعة صنعاء، عسانا نسمع من خلالها بياناً يوضح ما جرى، إلى أن قطعت الإذاعة برامجها في المساء لتعلن الخبر في بيان نعي من مجلس القيادة، جاء فيه: «أيها الشعب العظيم، لم تكن غريبة، ولا جديدة، المؤامرات الدنيئة والدسائس والمخططات التي تحاك عليك وعلى زعمائك الوطنيين وقادتك الأحرار. يا جماهير يمننا الحبيبة، إنه في هذا اليوم الأسود الكئيب في تاريخ شعبنا اليمني العظيم سطت أيدٍ آثمة مجرمة خائنة لشعبها ووطنها على حياة قائد مسيرتنا الأخ المناضل المقدم إبراهيم محمد الحمدي، الذي عرفه شعبنا كله، وعرفناه قائداً مخلصاً ومناضلاً شريفاً وزعيماً أميناً… الذي بعهده وبقيادته حققت. أيها الشعب العظيم الكثير من المنجزات والمشاريع وخطت خطوات… على طريق الانتصار ضد التخلف والفساد، كما اغتالت أخاه المقدم عبد الله محمد الحمدي… أيها الشعب العظيم، إن مجلس القيادة ينقل إليك بكل أسف وحزن، هذا النبأ ليعزيك بفقيدي الوطن العظيم، ويعاهدك عهداً صادقاً على الأخذ بثأرهما من القتلة والمجرمين الحاقدين، ويعاهدك أيضاً على السير في الخط الذي رسمه لنا المغفور له حتى يتحقق لجماهير شعبنا كل طموحاته وما تصبو إليه من الحرية والعدل والتقدم والرقي. رحم الله شهيدينا وأسكنهما فسيح جناته وأنزلهما منزلة الأولياء والصديقين (إنّا لله وإنّا إليه راجعون).

وفي عدن صدر بيان نعي عن مجلس الرئاسة وإعلان الحداد لمدة أربعين يوماً وإلغاء جميع الاحتفالات. وأصدر مجلس الرئاسة بياناً جاء فيه: «يا شعبنا اليمني العظيم، لقد استمعتم جميعاً إلى نبأ الفاجعة الأليمة التي أصبنا بها عندما امتدت أيدي الغدر والخيانة لاغتيال الفقيد المقدم إبراهيم محمد الحمدي، رئيس مجلس القيادة، وشقيقه المقدم عبد الله الحمدي، وعلى إثر هذا النبأ المؤلم عقد مجلس الرئاسة والوزراء اجتماعاً طارئاً وأصدر البيان الآتي: بمزيد من الأسى والحزن العميقين، تلقينا نبأ الفاجعة الأليمة والمصاب الجلل باستشهاد المقدم إبراهيم الحمدي، رئيس مجلس القيادة القائد العام للقوات المسلحة في الشطر الشمالي من الوطن، وشقيقه الشهيد المقدم عبد الله الحمدي، على أيدي غادرة آثمة. إنّ مجلس الرئاسة والوزراء يعبّران عن حزنهما العميق واستيائهما البالغ لهذه الخسارة الفادحة التي أُصيب بها الشعب اليمني في الشطرين. لقد كانت عدن تستعد لاستقبال أحد قادة اليمن، وتستعد للقاء الأشقاء اليمنيين، وها هي اليوم كغيرها من مناطق اليمن تعيش أحزان فقدانها ابناً من أبنائها بفعل مؤامرة دنيئة. إنّ مجلس الرئاسة والوزراء يعلنان الحداد الرسمي لمدة أربعين يوماً وإلغاء كافة الاحتفالات الرسمية والشعبية بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لثورة الرابع عشر من أكتوبر، ويعزيان جماهير الشعب اليمني ومجلس القيادة في الشطر الشمالي من الوطن وأسرة أخينا الفقيد المقدم إبراهيم الحمدي والمقدم عبد الله الحمدي، راجين لهم الصبر والسلوان».

والمعروف عن اللواء علي صلاح أنه يكتب مذكرات يومية، ولم أعرف في حياتي مثله من حيث تسجيل الأحداث اليومية أولاً بأول، وقد عرض عليّ في بعض اللقاءات ما يسجله في ذات اليوم أو ما قبله. وأتذكر أيضاً أنّ السيد ياسر عرفات كان يحتفظ في جيبه الكبير بمفكرة صغيرة يكتب فيها أهم الأحداث التي يمرّ بها في اليوم. وعلمت أيضاً أنه يحتفظ بأرشيف مهم جداً، وهو بمثابة ذاكرة للسلطة والثورة الفلسطينية. وبهذا الصدد، يضيف السفير علي محسن حميد، أنه سمع من السفير حسن السحولي بأنّ الغشمي كلف عبد العزيز عبد الغني كتابة بيان يتضمن أنّ الاغتيال حدث والشهيدان في أوضاع مخلّة! وأنه بينما كان عبد العزيز عبد الغني يكتب، وصل النعمان من تعز، وقال للغشمي: هذه إساءة لكم أنتم، ولن يصدقكم أحد. أنتم تكتبون بيان نعي لرئيس دولة تشاركون في حكمها. ثم أضاف: هل تسمحون لي بكتابة البيان؟ وقد وافق الغشمي، وعُدِّل النص الذي يرمز إلى أن الغشمي هو القاتل.

شهادة رئيس الأركان علي الشيبة

وزاد الرئيس ناصر حديثه بحادثة مقتل الحمدي وأخيه بشهادة رئيس الأركان علي الشيبة حيث قال الرئيس ناصر متطرقا :” وثمة رواية موثوق فيها رواها لي رئيس الأركان السابق المرحوم علي الشيبة، الذي عيّنه الرئيس أحمد الغشمي رئيساً للجنة التحقيق في مقتل الحمدي، وضمّت رئيس الوزراء عبد العزيز عبد الغني، ومسؤول الأمن محمد خميس، تؤكد ضلوع الاثنين، الغشمي وعلي عبد الله صالح، في قتل الرئيس الحمدي. حيث استُدرج الحمدي إلى غداء في منزل أحمد الغشمي،  وأُجهِز أولاً على أخيه عبد الله الحمدي، قائد لواء العمالقة في منزل مجاور، وجيء بجثته إلى منزل الغشمي، وحين جاء إبراهيم الحمدي ورأى جثة شقيقه المقتول، أدرك أنهما قاتلاه طمعاً في السلطة، فأعلن أنه يتنازل عنها مقابل الإبقاء على حياته، لكن ذلك لم ينفعه، ثم جيء بسائحتين فرنسيتين لاستكمال المسرحية، وقُتلتا فوق جثتي الحمدي وجثة أخيه لتصوير الأمر وكأنه عملية أخلاقية. لكن لم تنطلِ هذه المسرحية على اللجنة، فدماء الفرنسيتين كانت لا تزال طرية، ودماء الحمدي ودماء أخيه كانت جافة، وهذا يدلّ على أنهم لم يُقتَلوا جميعاً في مكان واحد وفي وقت واحد.

ومن المتداول أنّ الغشمي وصالح استعانا بدبلوماسيَّين يمنيَّين، هما فضل عباس باشا، ومحمد الشامي، كانا يعملان في السفارة بباريس لاستدراج الفتاتين للذهاب إلى صنعاء.             

شهادة القهالي

 ويتابع الرئيس ناصر حديثه ويقول :” وفي ما يأتي يتحدث المقدم مجاهد القهالي، أحد المقربين من الحمدي، وعضو مجلس القيادة عن مشروع الحمدي الوطني والوحدوي الذي أدى إلى اغتياله، والطريقة التي جرت بها تصفيته كما كتبها بخط بيده.

بدأ القهالي، عضو مجلس القيادة السابق في صنعاء، شهادته بالحديث عن الأوضاع التي وصفها بالمتردية في الجمهورية العربية اليمنية بشكل شامل، وأيضاً ما وصلت إليه العلاقات الخارجية اليمنية من مصاعب، ولا سيما مع جارتها الكبرى السعودية، وقال إنه نظراً لتلك الأوضاع تقدم المقدم إبراهيم محمد الحمدي في بداية السبعينيات من القرن العشرين الماضي بمقترحات لتصحيح الأوضاع المتردية داخل القوات المسلحة، وفي عموم مؤسسات الدولة ومرافقها حينذاك.

كذلك سارع كثير من دول الجوار، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، إلى تأييد الحركة، وتقديم الدعم لها. وكانت السعودية تحديداً تريد من وراء إظهار تأييدها هذا، التوصل مع القيادة الجديدة إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود اليمنية السعودية، وأن تتولى دور العرَّاب، أو الوسيط في العلاقات اليمنية – الأميركية بموجب اتفاق أميركي سعودي.

وفي بداية قيام الحركة، اتُّفق فعلاً مع السعودية على أن تسلِّح 12 لواءً من الجيش، وكل لواء يتكون من كتيبة مدفعية 105 مم أميركية الصنع، و100 سيارة ناقلة جند، وكتيبة دبابات (نبهرت) فرنسية الصنع، إضافة إلى تسليح 3 كتائب مشاة، كنوع من كسب ثقة القيادة الجديدة.

ومضى يقول الرئيس ناصر:” ولكنّ ذلك الاتفاق، كما يقول القهالي، لم يكن يلبي طموحات الجيش اليمني في الحصول على سلاح متطور، الذي كان أكثر ميلاً نحو السلاح الروسي.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد اتُّفق على أن تتولى السعودية دفع (300) مليون ريال سعودي لدعم ميزانية الدولة، لكنّ ذلك لم يستمر إلا لعدد محدود من الأشهر، إذ سرعان ما ظهرت الخلافات بين الحمدي والسعودية في قضية ترسيم الحدود. وبرزت قويةً النزعة الوطنية للحمدي في الاستقلال عن الوصاية السعودية المفروضة أميركياً على اليمن الشمالي.

وفي ربط لا يوافق عليه كثيرون، يضيف القهالي أنّ هذا دفع الرئيسَ الحمدي إلى اتخاذ جملة من القرارات المهمة في 26 – 27 نيسان/ أبريل 1975م، أزاح بموجبها العقيد مجاهد أبو شوارب من منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة، وكلاً من علي أبو لحوم ومحمد أبو لحوم من مواقعهما العسكرية، وكانا يتوليان قيادة اللواء السادس دروع، وقوات الاحتياط العام – على التوالي. وعُيِّن الرائد مجاهد القهالي قائداً عسكرياً لمناطق شمال صنعاء، واللواء الأول مشاة المتمركز في تعز، حيث نُقل مباشرةً لمواجهة الحشود القبلية الكبيرة التي كان يقودها الشيخان عبد الله الأحمر، ومجاهد أبو شوارب، وعدد من الرموز القبليين المعارضين الذين شاركوا في مؤتمر خمر.

وخطا الحمدي خطوة مهمة أخرى باتجاه تعزيز الأمن والاستقرار، فأجرى حواراً مع فصائل المقاومة في الجبهة الوطنية المتمركزة في المناطق الوسطى، وأبرم معها اتفاقاً قضى بوقف الصراع المسلح، وتبنى الحوار السلمي الديمقراطي لحل المشاكل والخلافات السياسية التي كانت ماثلة حينها. وكان البعض يعارض الحوار وحقن الدماء ويردد: “الحجر من القاع والدم من رأس القبيل”، كما يقول المثل الشعبي، وهو المثل الذي كان يستشهد به الرئيس علي عبد الله صالح في صراعاته. إذ يفسّر لنا أنّ هذا «القبيلي» هو المواطن، وهو المغلوب على أمره، وهو المظلوم ما دامت الدولة هي التي تقف في مواجهة هذا المواطن أياً كان مركزه أو مكانته الاجتماعية بطريقة أو بأخرى «بالقوة أو الوساطة» أو غيرها، المهم أن تأخذ الدولة ما تريد. ومن الواضح أنّ هذا المثل بات لسان حاله يقول: «الرصاصة من الدولة والدم من رأس العسكري»، لكون هذا هو شاهد حال وضعنا في هذا البلد. فالجندي أكان في الأمن أم في الجيش، يكلَّف مهمةً ما، ويكون عنصراً منفذاً ليس له علاقة، وفجأة نسمع أنَّ القبيلة الفلانية أو الشيخ الفلاني منعوا الجنود من تأدية مهمتهم.

مشروع الحمدي الوحدة اليمنية

وأردف الرئيس ناصر وقال:” ويضيف القهالي أنّ مشروع الرئيس إبراهيم الحمدي، على الصعيد اليمني، كان مشروعاً وحدوياً ديمقراطياً يهدف إلى توحيد اليمن وقيام أول تنظيم سياسي يمني على مستوى الشطر الشمالي، حيث كانت فكرة قيامه تقوم على أساس الحوار مع أحزاب الجبهة الوطنية الديمقراطية، والأحزاب القومية الأخرى، كالبعث والناصريين، على أساس المشاركة الشعبية، حيث تختار كل محافظة ممثلين لها إلى المؤتمر الشعبي العام الذي كان مقرراً انعقاده في مدينة الحديدة الساحلية في عام استشهاده 1977م.

ويضيف الرئيس ناصر في حديثه إلى أن القهالي أكد أنّ مشروع الرئيس الحمدي لبناء دولة عصرية على مستوى اليمن الشمالي، وتوجهاته الوحدوية الواضحة، كانت وراء المؤامرة التي دبرت لاغتياله لوأد هذا المشروع الوطني. وأنّ الغشمي وعلي صالح تمكنا من نسج علاقات سرية مع دول الجوار، وخاصة السعودية ومع الأميركان تحديداً، على اعتبار أنّ الرئيس الحمدي قد نكث بالاتفاق معهما، وأنه قد تحول إلى عدن، ودول أجنبية أخرى، متهمين إياه بتبني الفكر الماركسي بسبب علاقاته الجيدة مع النظام في عدن. بينما الحقيقة، أنّ مشروع الحمدي كان مشروعاً وطنياً، سواء لجهة بناء الدولة العصرية في الشمال، أو لجهة تحقيق الوحدة اليمنية. ويمضي قائلاً: نظراً لعدم رغبة  السعودية تحديداً، والولايات المتحدة الأميركية، في قيام وحدة اليمن التي كان حتى الاتحاد السوفياتي يعارضها في ذلك الوقت، حيث كانت صنعاء تُعدّ خطاً أحمر على السوفيات لا يمكن تجاوزه، وعدن تُعَدّ خطاً أحمر على المعسكر الرأسمالي، فقد دفعت تلك الدول بإمكانات سرية من المال إلى المقدم أحمد الغشمي، الذي رتب عملية اغتيال الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي في يوم 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977م، قبيل مغادرته بيوم واحد إلى عدن للقاء الرئيس سالم ربيع علي لإبرام اتفاق وحدوي تاريخي رتّب له وخطّط كلٌّ من القائدين الحمدي وربيع. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! وكشف القهالي أنّ الرئيس الحمدي الذي لم تكن تساوره الشكوك حول نائبه المقدم الغشمي، استُدرج إلى مأدبة غداء في منزل هذا الأخير أقامها بمناسبة عودة بعض وزراء الحكومة من الخارج، حيث كانوا يتلقون العلاج، وحضر الغداء عبد العزيز عبد الغني، رئيس الوزراء، وعدد من وزراء حكومته. وعن الحمدي، قال إنه كان رجلاً متواضعاً وقدرياً ولا يضمر الشرّ لأحد، أو يتوقع الشرّ من الآخرين، ولم يكن يولي اهتماماً لأمنه الشخصي بوصفه رئيساً للبلاد وصاحب مشروع وطني. ذهب إلى الغداء بسيارته “الفولكس واجن”، ومعه سائقه الشخصي فقط، دون أن يصطحب معه أحداً من حراسته الخاصة الذين كانوا في هذا الوقت يتناولون غداءهم، فعزّ عليه أن يقطع عليهم تناول وجبتهم، فخرج بمفرده وكأنه كان ذاهباً إلى حتفه دون أن يدري!!

وكان قد سبقه إلى منزل الغشمي أخوه المقدم عبد الله محمد الحمدي، قائد قوات العمالقة الذي استدرجه هو الآخر المقدم أحمد الغشمي، بدعوى تسليمه مفاتيح عدد من السيارات التي كانت ستتحرك لنقل عدد من أطقم قوات العماليق براً إلى عدن لتأمين زيارة الرئيس إبراهيم الحمدي المقررة في اليوم التالي مباشرةً دون أن يساوره هو الآخر أي شك في ما يدبر له ولأخيه الرئيس.

وما إن وصل المقدم عبد الله الحمدي إلى باب منزل المقدم أحمد الغشمي، حتى خرج إليه شقيق هذا الأخير محمد الغشمي، ودعاه إلى الدخول لتناول الغداء، لكنه اعتذر عن عدم تلبية الدعوة بداعي السفر إلى عدن، وهو جاء لتسلّم مفاتيح السيارات، لا لتناول الغداء. لكن محمد الغشمي ألحّ عليه، وقصّ شعرة من ذقنه، متوسلاً إليه للدخول إلى المنزل وتناول الغداء. ولكي تكتمل فصول المأساة، أبلغ الغشمي الضابط المعنيّ بأن يخبر عبد الله الحمدي بأنّ المفاتيح موجودة لدى المقدم أحمد الغشمي شخصياً. وما إن دخل عبد الله الحمدي، حتى أجهزوا عليه، وعندما وصل الرئيس إبراهيم الحمدي إلى منزل المقدم أحمد الغشمي، أدخلوه فوراً إلى الغرفة التي قتلوا فيها أخاه، فما إن وقع نظره على أخيه المغدور، حتى صُعق لهول المفاجأة، لكنّ قاتليه لم يمهلوه كثير وقت حتى ألحقوه به، وهم: أحمد الغشمي وعلي عبد الله صالح ومحمد الحاوري الذي أصبح فيما بعد قائداً للشرطة العسكرية. وفيما بعد أذاع القتلة وأجهزة الدعاية قصة مفبركة حول مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي وشقيقه عبد الله، فربطوا مقتلهما بمقتل سائحتين فرنسيتين قتلوهما في اليوم السابق، ونقلوا جثتيهما وجثتي الشهيدين إبراهيم وعبد الله الحمدي إلى أحد المنازل القديمة في صنعاء للربط بين مقتلهما ومقتل السائحتين، لكن ذلك لم يكن لينطلي على الشعب اليمني الذي أدرك بحسّه ووعيه المؤامرة التي حيكت لقتل الحمدي ووأد مشروعه الوطني.

اقرأ أيضا:إحياء الذكرى الـ ٤٧ لاغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى